ليس من سبيل إلى بلوغ الكمال الإنساني في ذات إنسانها إلا بإدراك الحقائق وإتيان الحكمة واكتناز المحبة للخالق وخلقه..
ولعل ذلك يتمعنى في قولة شاعر الهند طاغور «اللهم اجعلني إنساناً» في ختامية كل ومضة من قصائده..
والإنسان مرآة الإنسان.. والإنسانية هي جملة مكارم
الأخلاق المتمثلة في وحدة الإنسان وتحاببه وتعاونه.
وكل ما في هذا الكون من عالم الوجود والإمكان جاء من أجل الإنسان ليرتقي إلى إنسانيته..
يقول سيدي المسيح (ع): «لم يوجد الإنسان من أجل السبت.. بل السبت وجد من أجل الإنسان».
وكلمة الإنسان وردت في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة.
وذلك تكريم من الخالق الأسمى إلى مخلوقه الإنسان. يقول من عالي سماواته: «وصوركم فأحسن صوركم» وقال عز وجل: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم».
والإنسان عالم قائم بذاته يشبه في تنظيمه وأسراره الكون بأسره
أتزعم أنك جرْم صغير وفيك انطوى العالم الأكبرُ
وأفضل هداية للإنسان كما يرى ابن سينا هي هداية الغير للسعادة.. وقد رسم لنا بذلك طريقا للوصول إليها من خلال هذه الثلاثية:
- في تنظيم علاقة النفس بالبدن كي تنال السعادة من خاصية البدن.
- في شرح قيمة العقل وبيان قدرته على تحصيل السعادة العقلية.. لأن أول من خلق الله العقل فقال له: إقبل فأقبل... وقال له: إدبر فأدبر.
فقال تبارك وتعالى: «وعزتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً أحب إلي منك».
- في تحطيم القيود التي فرضتها الأجيال على العقل حتى تتم السعادة.
ولهذا كله وجه ابن سينا عنايته إلى البحث في تحطيم القيود عن العقل الإنساني كي يتمكن من تأدية رسالته حراً طليقاً لأن العقل يتمتع بقوى تؤهله لإدراك الحقائق الكلية والتوصل إلى عالم العقول المشرقة والتلذذ على ضوئه بالسعادة التي يوجزها أفلاطون بهذه المكتنزات العالية:
- التعلق بعالم المثل
- التثقف بألوان الثقافة والفنون
- التلذذ بالملذات الباقية والابتعاد عما هو خسيس ودنيء.
وفي مكتنزات أبي العلاء المعري ما يدعو إلى إعمال العقل واستشارته في كل أفعال الإنسان فماذا يقول:
- كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء
- فإذا ما أطعته, جلب الرحمة عند المسير والارساء
- فلا تقبلن ما يخبرونك ضلة إذا لم يؤيد ما أتوك به العقل.